حي الأكراد في دمشق
نشاطات الأندية الكردية ثقافياً ورياضياً
(بدايات الصراع بين القومين الأكراد والشيوعيين)
سيامند إبراهيم
فكرت ملياً قبل أن أستعيد شريط الذكريات وأوثق للأجيال القادمة كيف تم تعريب حي الأكراد التاريخي في دمشق, وما شهده من نشاط سياسي وثقافي كبيرين فكيف يشحذ الرواد الأوائل ذاكرتهم بالعودة نحو نصف قرن مضى, وكان من الصعوبة بمكان تذكرهم لهذه الحوادث بدقة متناهية بالإضافة إلى الأحداث السياسية والملاحقات الأمنية التي مرت على حي الأكراد حيث أتلف الناس الوثائق النادرة التي بحوزتهم, حيث كان رجال الأمن يفتشون البيوت بيتً بيتاً, فاضطر الناس إلى حرق المجلات والصور والوثائق التي كانت بحوزتهم, وثمة شيء آخر تجعلك مكتوف الأيدي جراء قيام البعض من المهتمين بالتاريخ, والتراث الكردي باستعارة بعض الوثائق والتطنيش عليها, متخذين من القاعدة المعروفة في دمشق بين (الشوام) "طنش تنتعش".وهي بمثابة آفة تصيب المجتمعات لأن بعض الكتب والوثائق تروي أحدث التاريخ كما هو في دعم المقال أو البحث في صور تبين بشاعة المجازر التي ارتكبتها القوات التركية في إبادة الأرمن وفي الثورات الكردية المتعاقبة كثورة الشيخ سعيد, وثورة آكري, ففي الوقت الذي فشلت ثورة (أكري) سنة 1930بقيادة إحسان نوري باشا, وتم إلقاء القبض على أعضاء منظمة (خويبون) من قبل السلطات الفرنسية في الجزيرة السورية وعين العرب, باستثناء المناضل أوصمان صبري الذي استطاع أن يعبر الحدود التركية في منطقة عين العرب, ويشتبك مع عناصر من الجيش التركي قام على أثرها بتدمير إحدى المخافر التركية وقتل (4) عناصر من الجيش التركي, ولما لم يجد أحد من الثائرين الأكراد دخول الجبهة معه فآثر الانسحاب نحو الأراضي السورية بشرف وشجاعة بعد أن أدى واجبه, فقامت السلطات الفرنسية في سورية بإبعاد هؤلاء إلى أماكن بعيدة عن الحدود التركية للجم نشاطاتهم القومية الكردية, إثر ورود برقية من السلطات التركية, ودرءاً للخطر والقلاقل التي قد يقومون به هؤلاء, فقامت بنفيهم إلى دمشق, ومن الطبيعي أن يلتجأوا إلى أخوتهم الأكراد في حيهم الموسوم بحي (الأكراد) وهناك استقبلهم وجهاء وأغوات الحي وقدموا لهم المأوى, والمساعدات العينية من الشخصيات التي قامت بواجبها القومي على أكمل وجه, ومنهم (علي زلفو أغا, وحسين بيك إيبش, و آل المللي, وظاظا, والكيكي, وغيرهم من العوائل الكردية التي قامت كل منها بحسب إمكانياته المادية المتواضعة.
ولم يقف هؤلاء المناضلين الأكراد مكتوفي الأيدي بل سمحت لهم فرنسا بالقيام بنشاطات ثقافية, لكنها لجمت النشاط السياسي لذا توجهوا إلى النشاط الثقافي ففتحوا الأندية الثقافية في حي الأكراد وفي هذه الأندية كانت تجبى الاشتراكات المادية من العائلات والشخصيات الميسورة, وكان العلم الكردي يرفرف داخل هذه الأندية, ومن المبادرات الفردية ما قام به الشخصية الكردية الوطنية قدري جميل باشا الذي استأجر منزل إسماعيل حقي لتدريس اللغة الكردية فيه, وبذل جهوداً كثيرة في المجال الثقافي أيضاً, وتؤلف الفرق الرياضية بمختلف الألعاب, كرة القدم, اليد, الملاكمة, الجمباز, كرة السلة, والمصارعة بالإضافة إلى الأندية الكشفية, ومن هذه الأندية نادي كردستان الذي أسسه الأستاذ أوصمان صبري, وفيه كان يعطي دروساً في حب القومية الكردية, وكان يقوم بتدريس اللغة الكردية, وكان الأستاذ العلامة جلادت بدرخان يزور الأندية ويلقي محاضرات في قواعد اللغة الكردية, ونشطت حركة تعليم اللغة الكردية في نوادي الحي, وكان طلاب حي الأكراد يذهبون إلى مدرسة (مكتب عنبر) وهم يرددون النشيد الكردي, ويتطلعوا إلى اليوم الذي تتحرر فيه بالدرجة الأولى كردستان تركيا, وأصبح حي الأكراد كتلة من النشاط القومي الكردي حيث استقطب هذا النشاط حتى العائلات البرجوازية والتي كانت تسكن خارج حي الأكراد مثل (آل أجليقين, وآل إيبش) ومنهم الوجيه الكبير (نوري بك إيبش) والذي تبرع لفقراء حي الأكراد بأكثر من (1000) كيس من القمح, وكان يقوم بدعم النشاط الثقافي الكردي أيضاً, إن ولوج النخبة السياسية الثقافية الكردية إلى دمشق والقيام بالنشاط السياسي والثقافي أثرت في وعي الشباب الكردي في حي الأكراد وغيرها من أحياء دمشق, وكان جميع سكان الحي يتكلمون اللغة الكردية قبل أن تفتتح النوادي الكردية وتقوم بنشاطاتها الثقافية والرياضية وغيره ومن هؤلاء الطلاب الذين برعوا ونالوا شهادات ومراكز مرموقة مثل الدكتور ( خالد قوطرش), والأستاذ (راشد جلعو) المفتش في مدارس دمشق, والبارع في اللغة الفرنسية, والأستاذ عزت فلو الذي روى لي شخصياً عن وقائع تلك الفترة فقال:" انزعجت السلطات التركية حتى من وجودنا في القرى الحدودية السورية التركية, إن هؤلاء المعلمون يخلقون الوعي القومي لدى الشعب الكردي في سورية فأمرت السلطات الفرنسية بنقله إلى منطقة بعيدة عن الحدود, فذهب السيد (محمد شريف) إلى حسن حاجو) في الحسكة وبعدئذٍ قابلوا المفتش (الباجقني), فقال له المفتش الباجقني) ( نحن لا نستطيع أن نبقيك في أي قرية من قرى الأكراد, ما رأيك أن تعلم في قرى العرب) ؟ فقال: ( لا لا أستطيع تحمل معيشة البدو العرب والنظافة عندهم معدومة, ثم انتقل إلى التعليم في القرى الآشورية سنة (1944) م في( تل الرمان), ومن الأساتذة الذين نقلوا من القرى الكردية, (( مدني رسول, سعيد ميرخان حيث كان في سنجق سعدون, إضافة إلى (رشيد شيخ الشباب الكيكي), والذي استشهد والده مع المناضل الكردي( يوسف العظمة) في معركة ميسلون, و(بهاء وانلي وجميل ميقري, والدكتور كمال حمزة), وفي سنة 1935 أسس آل مللي (الجمعية الخيرية المللية لمساعدة الفقراء) وافتتحوا صيدلية ونادي( ديرسم) الذي أسسه المرحوم( راشد جلعو) سنة (1937)م ومقره قبل ساحة (شمدين), وقد أُسس في النادي فرقتين للكشاف الكردي, وكانوا يخيمون في منطقة (رنكوس) القريبة من (دمشق), وكان عدد أعضاء النادي (43) شخصاً وقد منعت السلطات الفرنسية الكشاف الكردي, ولم تسمح بممارسة نشاطهم الكشفي, وكان من أعضاء النادي المحامي الشيوعي خالد الكردي, والأستاذ عبد الكريم محلمي, وكان خالد بكداش في بداياته ذو ميول قومية كردية, وعندما عاد أوصمان صبري من النفي من جزية مدغشقر, كان من الذين ذهبوا للسلام عليه في منزل عمر آغا شمدين, وأخذ صورة تذكارية معهم, وإنني أحتفظ بالصورة وهي قد التقطت سنة (1938), وعرف من أعضاء النادي, صلاح أيوبي, مدني رسول, وهذا الأخير انسحب من الحياة الكردية نهائياً وغير أسماء أولاده إلى أسماء عربية, فحول اسم ابنه فريدون إلى فريد..وقد كان معلمي في مدرسة الملك العادل في سنة 1966 م, وأظن أنه مريض الفراش في منزله, وعرف من أعضاء كشاف النادي المحامي حيدر بوظو الذي أصبح وزيراً عن الناصرين في عهد الرئيس السوري حافظ الأسد, ومحمد زلفو الذي أصبح من كبار ضباط الجيش السوري وقد تعرفت غليه قبل موته, كان يسكن في غرب المزرعة, و الأستاذ أنور برازي, والشاعر المبدع عدنا قره جولي الذي أصبح أيضاً شيوعياً, والضابط ممدوح قره جولي, وكان( آبو أوصمان) يشرف على غالبية الأ لعاب الرياضية, وقد كان فريق (هنانو) الذي لعب له المرحوم المعلق الرياضي المشهور (عدنان بوظو), و(أبو عوني مللي) والأستاذ (بهجت مللي) والذي تتلمذ (عدنان بوظو) على يديه في التعليق الرياضي والكتابة الرياضية إلاً أنه لم يتابع المسيرة في الصحافة الرياضية. وكذلك (عزالدين مللي), وآخرون من آل( متيني) و(حورية) والدكتور (كمال حمزة), والمرحوم ( فؤاد قدري) (إحسان كم ألماز), وقد كان الشعر الكردي جكرخوين يزور أعضاء النوادي الكردية ويلقي بعض الأشعار القومية الحماسية, وكان وقتها معجباً ب(هتلر). ويدافع عنه بقوة, وكان السيد (عصمت شريف وانلي) شيوعياً, وفي سنة (1941-1942) دُعيَ المفوض اللبناني ( بهيج بك الخطيب ) من لبنان بواسطة الوجيه (عمر آغا شمدين) وشاهدوا المباراة المرتقبة بين نادي (كردستان) ونادي (النهضة) الرياضي وفاز الفريق الكردي بنتيجة (2-1), ثم لعبوا مع نادي( رويال) اللبناني وفازوا عليه (1-0), وقد حضر هذه المباراة نواب الجزيرة من الأكراد, وقامت الصحافة الرياضية السورية بإعداد ريبورتاج عن هذه المباراة, وعندما سمع( عزت بك) باسم النادي تبرع لهم بمبلغ (350) ليرة سورية بالإضافة إلى علم كردي, وقد روى لي الأساتذة (عزت فلو و راشد جلعو والأستاذ بهجت مللي) بأن النادي أصبح من أغنى الأندية في سورية. ويملك مقراً خاصاً به, و روى البعض أن النادي الكردي اشترك في الدوري السوري...وفي إحدى المباريات تحيز الحكم (مختار فريحة) لبعض الفرق ضد الفريق الكردي فُطرِدَ من الدوري, وهذا ما يؤكد اشتراك النادي في الدوري السوري. وكان المرحوم الأستاذ (أوصمان صبري) يوزع بطاقات شرف لمؤازرة الفريق في كل مباراة فيحصل الفريق على( 300) ليرة سورية كدعم رياضي له. وفي سنة 1938 أقام نادي (كردستان) في الحي بإقامة مسابقات ضخمة ومتنوعة في مختلف المسابقات حيث لعب الفريق مع الفرق الأرمنية, وقد دُعيَ إلى هذا الاحتفال ( لطفي الحفار الكزبري ) وكولنيل فرنسي, في العهد الفرنسي, ووقف تحية للعلم الكردي المرفوع إلى جانب العلم السوري, وقد روى لي شخصياً المرحوم( عزت فلو): بأنني قلت له هذا هو علمنا الكردي الجميل فابتسم وتأمل العلم ملياً ولم يعلق شيئا.
ثم أسس نادي صلاح الدين وكان مقره في موقف المدرسة, وهو يقوم على لم صفوف الشباب الكردي وتوعيتهم قومياً ويقوم بأنشطة رياضية ومن شخصياته, عبد المجيد قاسو, أديب سلطان, الأيوبي, حيدر بوظو, إبراهيم الصفدي, جمعة مللي, وكان لأوصمان صبري نشاط لغوي فيه, وكانوا يعلمون اللغة العربية حتى للأميين في الحي. وكان النادي يقوم برحلات إلى صيدا وصور في لبنان.
وفي سنة (1945) تبرعت عائلة (عبد الرحمن باشا اليوسف) بقطعة أرض لإحداث ملعب في حي الأكراد وبالفعل ذهب الأستاذ( جلادت بدرخان )إلى وزارة (النافعة) أي (الأشغال) حالياً بمعونة المرحوم الأستاذ( قدري جميل باشا), و(كاميران بدرخان), وتبرع الأستاذ الوجيه (نوري بك الإيبش) بالمازوت ( للباكر) الذي عمل على تسوية أرض الملعب لمدة (45) يوماً, وجلب (تركس) وسوى الأرض التي أضحت بعدئذ ملعباً للفرق الكردية.
على أثر هذا النشاط القومي الكردي في ( دمشق) وفي ( حي الأكراد) تحديداً, بدأت النزاعات الحزبية الأخرى تنافس هذا المد القومي الكردي, فبدأ الشيوعيون الأكراد يتغلغلون بين صفوف شباب الحي ويحاولون استمالتهم إلى حزبهم, وبدأ الشيوعيون يفتعلون المشاكل في نادي (هنانو), حتى أغلقته السلطات في بداية الخمسينيات من القرن العشرين,
وفي الحياة السياسة السورية المختلفة, بعكس الحزب الشيوعي الكردستاني الذي تبنى حق تقرير المصير للشعب الكردي في كردستان العراق, والآن يحمل اسم الحزب الشيوعي الكردستاني, وفوق مقراتهم يرفرف العلم العراقي والكردستاني والعلم الأحمر الذي يحمل الفأس والمنجل. وفي عهد الدكتاتور (أديب الشيشكلي) أغلقت النوادي الكردية نهائياً وتم الاستيلاء على مقراتهم التي صارت السلطات السورية تؤجرها بثمن بخس لمسئولين كبار ثم تحولت إحداها بفضل ضغط الأهالي على السلطات في دمشق إلى مقر جمعية ركن الدين الخيرية.
وثيقة صادرة عن المكتب العربي للدعاية والنشر بدمشق
معرض التوثيق القومي الخامس
الوثيقة 17-1938
الرئيس فخري البارودي
أمين السر العام: فؤاد خليل مفرج
قائمة بأسماء الجمعيات التي رخص لها في مدينة دمشق.
1- جمعية إسعاف المتقاعدين.
2- جمعية الإسعاف الخيري
3- جمعية العشيرة الملية الكردية
4- جمعية الكردي الخيرية.
__------------------------------------------
• المصادر:
• أحاديث خاصة ومقابلات مدونة مع الأساتذة (عثمان صبري, عزت فلو, راشد جلعو,
• رشيد الشيخ الشباب, بهجت مللي, والكثير من أعضاء النوادي الكردية في دمشق